Rumored Buzz on نقاش حر
وسائل إعلام تابعة للنظام المصري شنت هجوما حادا على التطبيق بعد أن جذب عددا كبيرا من الناشطين السياسيين
إن الحداثة هي بالضبط ما نكب فلسطين وأنقذها في ذات الوقت، ولهذا فما يقترفه النظام العربي من تواطؤ في استمرار مذبحة غزة لن يحل معضلته لأن المسألة الفلسطينية أنشب جذورًا في نسيج الوجود العربي من أن تُصفّى بمذبحة. القضية الفلسطينية نظريًا يمكن تصفيتها بالطبع، فليس عند العرب امتياز وراثي يمنعهم من التاريخ، ولكن لكي يحدث هذا يجب أن يحدث أمران: إبادة الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، وإبادة العرب ثقافيًا؛ أي أن يطوّروا هويات جديدة تمامًا تقطع كل تراكمهم الحضاري لألفي عام.
وفي نهاية القرن التاسع عشر أيضًا بدأت الهجرات الصهيونيّة إلى فلسطين. لم تكن هجرات ضخمة كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، ولكنها ستسِم وجودَ العربي لأكثر من مائة عام بمُركب متنافر من الزمن والتاريخ: تلازُم تاريخ تكوّن العرب الحديث مع المشروع الصهيوني؛ حدث بينهما توافق زمني يحوي بداخله تعاكسًا تاريخيًا؛ بينما كان العرب يدركون أنفسهم شعوبًا وأمةً، كانت قطعة منهم تُسرَق. بين الحربين العالميّتين تقدّم العرب أمةً ودولة حديثة: سقطت الخلافة العثمانيّة، ظهر جيل النهضة في الأدب، تكوّنت الأحزاب والحركات السياسية وأخذ عود البرجوازية الوطنيّة يشتد وكانت المدينة تزاحم الريف الإقطاعي على قيادة البلاد، وأخذ النضال يتنظّم أكثر ضد الاستعمار. حدث هذا في دول عربية كثيرة ومنها فلسطين، ولكن بينما كان العرب يتقدّمون نحو تشكيل ذاتهم الحديثة باعتبارهم عربًا، كانت فلسطين تقاتل بشتى الوسائل الاستيطان الصهيوني المستفحل إلى أن أتت النكبة.
ثم أتى السابع من أكتوبر الماضي، وهشّم سياسة عقدٍ في ساعات. ويبدو الآن أن النظام العربي منفتح على مقاربة خشنة لتصفية القضيّة الفلسطينية وذلك بالسماح بتصفية الفلسطينيين وتهجيرهم وربما التواطؤ في ذلك، ليس فقط بعدم فتح المعابر دون إذن إسرائيل، ولكن أيضًا بالامتناع عن قطع العلاقات، وعن التهديد بالتراجع عن مشاريع التطبيع. إن النظام العربي بالطبع يجازف إذا استمر في هذا الأمر ولم يتدارك نفسه؛ لأن هذا الموضوع مقتل تاريخي فيه يجب لتفادي إصابته توفر ظروف استثنائية وغيبوبة ثقافيّة مستحيلة شعبيًا للتشابك الهوياتي من التكوين العربي وفلسطين كما ذُكر أعلاه، ولأنه ليس النظام المنتصر الذي كانه قبل عشر سنوات.
هذا الأمر يفسّر بعض ما نحبه وما لا نحبّه فينا: يفسر هذا الإخلاص والصلابة الشعبية التي لا تصدأ في الموضوع الفلسطيني، ويفسّر كذلك أشنع تناقض أخلاقي عاشه العرب في تاريخهم الحديث المتمثّل في أن بعض كبار محبّي فلسطين من النخب أو من القطاعات الشعبية لم تهزّه كثيرًا نكبة شنيعة أخرى هي المذبحة التي طالت الشعب السوري على يد نظام بشار الأسد وحلفائه.
ويرى الباحث أن التطبيق سيحافظ على رواجه، إذا قامت مؤسسات كبيرة باستخدامه، أو رموز سياسية أو رؤساء دول، على غرار ما يحدث في تويتر وفيسبوك.
في حين يمكن تجنب هذ الموقف بسهولة من خلال إظهار التعاطف حسبما تقول كلير فوكس: "علينا البدء من نقطة التشابه بيننا وبين الأشخاص الذين يختلفون معنا في الرأي.
وأشار مدير مركز الحوار المصري الأميركي، إلى أن التطبيق يذكره بمقولة الصحفي جمال خاشقجي "قل كلمتك وامشِ".
هذه المخاطر ليست بالضرورة محض كوارث؛ هذه الحرب مسمارٌ أكيد في نعش النظام ونخبه الثقافي، ولكنها تنطوي على خطورة إن لم يستطع المجتمع تنظيم صفوفه.
الأقدار أو ما يسمى الكارما ليس لها مكانٌ في التحليل السياسي والفهم التاريخي، ولهذا فإن القادم على العرب شعوبًا وأنظمة من مخاطر بعد هذه الحرب ليس ثأرَ الأقدار بل نتيجة التفاعلات المعقّدة بين تحوّلات الواقع والتجربة التاريخية وإرادات البشر.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الناشط المؤيد للرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، إن التطبيق سمح من خلال إنشاء الغرف والنقاشات بإعطاء مساحات جديدة لعرض الأفكار والرد على الاتهامات المثارة.
أولاد وأحفاد هؤلاء العمال أصبحوا اليوم في نسيج مجتمع المدينة وبرجوازيتها؛ دخلوا مدارس الدولة ومعاهدها المهنية وجامعاتها واندمجوا في أشغال الطبقة الوسطى. لا يمكن فهم التغيُّر الحاصل في هذه المجتمعات إزاء القضية الفلسطينية بدون احتساب هذه النقلة الطبقية-الثقافية التي حققها المواطنون من أصول عربية أو مسلمة في هذه المجتمعات. هذا ما تحاول النخب الأوروبية اليوم الوقوف أمامه، ولكن لأنه تحوّل تاريخي فلا يمكن في الحقيقة التصدّي له إلا بالحرب. ما تفعله نخب أوروبا اليوم إزاء حرب الإبادة نور الامارات على غزة وإزاء قطاعات من مجتمعها ترفض هذه الإبادة هو شدّ الاستقطاب إلى حدود قصوى تنبئ بتحول الاستقطاب إلى احتراب أهلي ثقافي خطير ولا يبدو أن ثمّة عقلاءً مستعدون تجنّبًا إياها لعقد تسويات اجتماعيّة تعترف بالتحولات التي تحدث وتضعها في الاعتبار في أثناء عملية صناعة السياسات. وهذا له أسباب كثيرة ليس هذا مقام الخوض فيها. المهم هنا أن هذا السلوك الأوروبي يطابق السلوك العربي؛ لم يعد النظام العربي يقبل بأن يتقدّمه الشارع في القضية الفلسطينية، أصبح يريد أن يحبس الشارع خلفه مهما كانت سياساته وأن يوقف كل تحولات المجتمع السياسية والجيلية؛ يبتغي تأميم القضية الفلسطينية بحيث تصغر إلى شأن يعالجه جهاز الدولة مثل أي شأن بيروقراطي آخر.
في كلام آخر، إن فلسطين في نسيج الحداثة العربيّة؛ إنها في بنية الثقافة والتكوين الهويّاتي للعرب. ولهذا كانت النكبة زلزالًا على المنطقة العربيّة بأكملها، وليست مآسي النكبة بحد ذاتها السبب في ذلك؛ شهد العرب مآس وتهجيرًا ومذابح أشنع بكثير على يد الاستعمار الأوروبي.
إن مجلة الأفكار الخلافية هي مجلة أكاديمية مُحكمة مُتعددة التخصصات تخضع للمراجعة العلمية والتحقيق. يجب أن تجتاز المواضيع اختباراً أولياً يستبعد المقالات التي، في رأي المُحرر، من غير المحتمل أن تحظى بفرصة لتلقي ملاحظات إيجابية من القراء.